شائع

العبر والفوائد التي اشتملت عليها سورة يوسف

هذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة، التي قال الله تعالي عنها :-

–في أولها: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ 

–وقال عنها: لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ 

–وقال في آخرها:  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ

–فمن العبر والفوائد :-

–أنواع التنقلات: من حال إلى حال، ومن محنة إلى منحة، ومن ذل إلى عز، ومن رقٍّ إلى ملك، ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وائتلاف، ومن حزن إلى سرور، ومن رخاء إلى جدب، ومن جدب إلى رخاء، ومن ضيق إلى سعة، حيث نقله في تلك الأحوال، وأوصل إليه الشدائد والمحن .. ليوصله بها إلى أعلى الغايات ورفيع الدرجات.

–علم تعبير الرؤيا من العلوم التي يعطيها الله من يشاء من عباده، علي أن يكون العبد مجتبى بالفضائل الموجبة لذلك .. ولذلك قال يعقوب ليوسف عليهما السلام " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ ".

–تعبير الرُّؤيا بمثابة الفتوى؛ وذلك لِما ورد في السّورة في قوله تعالى: " قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ وقال الملك: " أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ " وقال الفتى ليوسف: " أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ.." وقال العلماء: لا يجوز لِمن لا يعرف في تعبير الرُّؤى أن يتكلّم فيما لا يعلم.

–هذه القصة تدل على صحة نبوة محمد ﷺ حيث قصَّ على قومه هذه القصة الطويلة، وهو -أمِّيٌّ- لا يخط ولا يقرأ ، وهي موافقة ، لما في الكتب السماوية السابقة، لقوله: " وما كان لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون".

–ينبغي البعد عن جميع أسباب الشر، وكتمان ما تخشى مضرته، لقول يعقوب ليوسف "يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا " . 

–يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره لقوله: "فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ".

–نعمة الله على العبد، تتعلق به وبذويه وأهله وأصحابه، لقوله: " وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ " ولما تمت النعمة على يوسف، حصل لآل يعقوب من العز، والتمكين، والسرور، ما حصل، وذلك بسبب يوسف.

–العدل مطلوب في كل الأمور، حتى في معاملة الوالد لأولاده ، في المحبة والإيثار وغيره ،حتي لا يختل الأمر، ومن ثم تفسد الأحوال، فعندما قدم يعقوب يوسف في المحبة وآثره على إخوته جرى منهم ما جرى ..

–الحذر من شؤم الذنوب وذلك بتتابعها، فالذنب الواحد يستتبع ذنوبا متعددة، فإن أخوة يوسف ، احتالوا بأنواع الحيل، وكذبوا عدة مرات، وزوروا على أبيهم في محبتهم لأخيهم .. ثم القميص والدم الذي فيه، ثم إتيانهم عشاء لأبيهم يبكون 

–العبرة في حال العبد بكمال النهاية، لا بنقص البداية، فإن أخوة يوسف جرى منهم ما جرى في أول الأمر، ثم انتهى أمرهم إلى التوبة النصوح، والعفو والصفح من يوسف وأبيهم، ثم الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة، وإذا عفا العبد عن حقه، فإن لله خير الراحمين.

–أن بعض الشر أهون من بعض، وارتكاب أخف الضررين أولى من ارتكاب أعظمهما، فإن إخوة يوسف، لما اتفقوا على قتل يوسف أو إلقائه أرضا، قال قائل منهم: "لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ" كان قوله أخف منهم، وبسببه خف عن إخوته الإثم الكبير.

–الحذر من الخُلوة المحرمة بالنساء التي يخشى منها الفتنة فإن امرأة العزيز جرى منها ما جرى، بسبب تواجدها معه في القصر، لقوله: "وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ".

–إن الهمَّ الذي همَّ به يوسف، ثم تركه لله، قربه إلى الله زلفى، فكان ممن " خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى " قال ﷺ: من السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أحدهم: « رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله 

–إذا دخل الإيمان القلب .. دفع الله عنه السوء والفحشاء ببرهان إيمانه وإخلاصه لقوله تعالي: "وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

–ينبغي للعبد أنه إذا رأى مكانا فيه فتنة وأسباب معصية، أن يفر منه ويهرب غاية ما يمكنه، حتي يتمكن من التخلص من المعصية، فيوسف عليه السلام، لما راودته التي هو في بيتها - فر هاربا - يطلب الباب ليتخلص من شرها 

–ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين إما أن يفعل معصية، وإما عقوبة دنيوية .. لذا على العبد أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب في الآخرة، فإن يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية ..

–ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية .. ويتبرأ من حوله وقوته ، لقول يوسف عليه السلام: " وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ".

–العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى فعل الخير ، وينهيانه عن فعل الشر، والجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس.

–ينبغي على العبد عبودية الله في الرخاء والشدة معا، فــ « يوسف » عليه السلام .. لم يزل يدعو إلى الله ربه ، في السجن ( شدة ) ، وبعد خروجه منه ( رخاء )  ..

–لا يلام الإنسان على السعي في - دفع التهمة - عن نفسه وطلب البراءة لها، بل إنه يحمد على ذلك، كما امتنع يوسف عليه السلام عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن أيديهن .. 

–فضيلة العلم وأنه أفضل من الجمال .. ولو بلغت في الحسن جمال يوسف .. فإن يوسف عليه السلام - بسبب جماله - قد حصلت له تلك المحنة والسجن -وبسبب علمه- حصل له العز والرفعة والتمكين في الأرض، فإن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار العلم وموجباته.

–يخبر الإنسان عما في نفسه من صفات علم أو عمل أو كفاءة..لطلب المنصب، إذا كان في ذلك مصلحة ولم يقصد به العبد الرياء لقول يوسف عليه السلام : ' اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ".

–خير الآخرة له سببان: الإيمان والتقوى، وأنه خير من ثواب الدنيا وملكها، لقوله تعالى: "وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" .

فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة فمن آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة أهلهما، أحسن العواقب، لقوله : " قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ "

–يتوكل العبد على الله، ويعمل بالأسباب التي تنفعه في دينه ودنياه، ومنها: أن جباية الأرزاق لا بأس بها، لأن يوسف عليه السلام قد أمر بجباية الأرزاق ، وذلك للتوسعة على الناس في السنين المخصبات للاستعداد بها في السنين المجدبة وأن هذا غير مناقض للتوكل على الله.

–لما تولى يوسف عليه السلام خزائن أرض مصر اتصف بحسن التدبير حتى كثرت عندهم الغلات وصار أهل الأقطار يقصدون مصر لطلب الميرة منها، لعلمهم بوفرتها، وكان لا يزيد لأحد قادم على حمل بعير .

–مشروعية الضيافة، وأنها من سنن المرسلين، وإكرام الضيف لقول يوسف لإخوته " أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ " .

–استعمال الأسباب الدافعة .. للعين أو الشر وغيرها.. - جائز - وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء وقدر ، فإن الأسباب أيضا من القضاء والقدر، لأمر يعقوب عليه السلام إذ قال لبنيه: " يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ "

–جواز استعمال الحيل التي يتوصل بها العباد إلى الحقوق، ومنها استخدام حيلة يوسف عليه السلام اخفاء صواع الملك في رحل أخيه ، حتي يبقيه بجواره ..  

–لا يجوز للإنسان أن يشهد إلا بما قد علمه حقا، وتحققه لقوله تعالي"وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا "

–هذه المحنة العظيمة التي قد امتحن الله بها يعقوب عليه السلام، إنما تعني أن الفرج مع الكرب؛ وأن مع العسر يسرا ..

–جواز إخبار الإنسان بما فيه من مرض، أو فقر، أو شدة، نحوهما ولكن - لبس علي وجه التسخط- ولكن للمصلحة، لأن إخوة يوسف قالوا"يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ولم ينكر عليهم يوسف".

–ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة وفقر وسوء حال، أن يعترف بنعمة الله عليه، لقول يوسف عليه السلام: " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ" .

–ينبغي للعبد أن يدعو إلى الله دائما .. في تثبيت إيمانه، ويعمل الأسباب الموجبة لذلك، ويسأل الله حسن الخاتمة، وتمام النعمة لقول يوسف عليه الصلاة والسلام: " رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي  مِنْ  تَأْوِيلِ  الأَحَادِيثِ  فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ  وَالأرْضِ  أَنْتَ  وَلِيِّ  فِي الدُّنْيَا  وَالآخِرَةِ  تَوَفَّنِي مُسْلِمًا  وَأَلْحِقْنِي  بِالصَّالِحِينَ ".


–فهذا ما يسر الله من الفوائد والعبر في هذه القصة المباركة فتبارك من جعلها أحسن القصص ..





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-