شائع

تفسير سورة يوسف صفحة 242 من الآيات (53 - 63) .. وفوائد الآيات

التفسير 

53–وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ 

وواصلت -امرأة العزيز- كلامها قائلة: وما أزكي نفسي ولا أبرئها من المراودة والهمِّ ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك،إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي، وسائر الذنوب، طلبا لملذاتها، فإن النفس مركب الشيطان .. ومنها يدخل على الإنسان.

 –إلا مَن عصمه الله .. فنجاه من نفسه الأمارة بالسوء حتى صارت نفسه مطمئنة، منقادة إلى ربها، تمتثل لأوامر ربها، وتجتنب نواهيه، فذلك من فضل الله تعالي ورحمته بعبده إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده, رحيم بهم.

54–وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ 

–وقال الملك الحاكم لـ "مصر" حين بلغته براءة يوسف عليه السلام: جيئوني - بيوسف - أجعله من أهل مشورتي وخلصائي .. فلما جاء يوسف عليه السلام إليه وكلَّمه الملك - وعرف ببراءته - وعظيم أمانته، وحسن خلقه، قال له: إنك اليوم عندنا عظيم المكانة، ومؤتمن على كل شيء.

55–قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ 

–ولما أراد يوسف عليه السلام أن ينفع العباد، ويقيم العدل بينهم، قال للملك طلبا للمصلحة العامة: - أيها الملك - اجعلني واليًا علي - خزائن مصر - فإني خازن أمين عليها .. ذو علم وبصيرة بما أتولاه.

–وليس ذلك حرصا من يوسف عليه السلام على الولاية، وإنما هو رغبة منه في النفع العام، وقد عرف من نفسه من  الكفاءة والأمانة والحفظ ما لم يكونوا يعرفونه .. فجعل الملك يوسف عليه السلام على خزائن" مصر " وولاه إياها ..

56–وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ 

–لقد مَنَ الله تعالي على يوسف عليه السلام بالعديد من النعم منها :- 

النجاة من البئر، بعد أن كادوا إخوته أن يقتلوه. 

عاش مكرما في قصر العزبز ، وليس عبدا.

العصمة من امرأة العزيز  عند مراودتها له عن نفسه.

البراءة من جميع ما نسب إليه علي الملأ ..

والخلاص من السجن بعد أن أتم مهمته فيه بدعوتهم فيه إلي عبادة الله وحده، وترك الشرك.

–علمه من تأويل الأحاديث وجعله رسولا نبيا.

وكما أنعم الله على يوسف عليه السلام بهذه النعم، كذلك مكَّن له في أرض مصر ينزل ويقيم في أي مكان يشاء .. كذلك يعطي الله تعالي من رحمته في الدنيا من بشاء من عباده ، ولا يضيع الله ثواب المحسنين، بل يوفيهم إياه كاملًا غير منقوص.

57–وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ 

–ولَثواب الآخرة عند الله .. أعظم من ثواب الدنيا وذلك -لأهل الإيمان والتقوى- الذين آمنوا بالله ورسله .. وكانوا يتقونه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

58–وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ 

–لما تولى يوسف عليه السلام خزائن أرض مصر دبرها أحسن تدبير، فزرع في أرض مصر جميعها في السنين السبع الخصبة، زروعا هائلة، واتخذ شيئا كثيرا من الأطعمة وحفظه، وبعدها دخلت السبع سنون المجدبة .. حتى وصل الجدب إلى أرض كنعان وبلاد الشام التي يقيم فيها يعقوب عليه السلام وبنوه .. فأرسل يعقوب بنيه لأجل الميرة إلى مصر

–وقدم إخوة يوسف إلى أرض مصر ببضاعة لهم، فدخلوا علي أخيهم يوسف عليه السلام، فعرف أنهم إخوته، ولم يعرفوا أنَّه أخوهم؛ لطول المدة وتغير هيئته؛ لأنه كان صبيًّا حين رموه في البئر.

59–وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ 

–فكلمه إخوته بالعبرانية فقال كالمنكر عليهم : ما أقدمكم إلي بلادي ؟ فقالوا : للميرة ، فقال : لعلكم عيون ، قالوا : معاذ الله ، قال : فمن أين أنتم ، قالوا : من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله، قال : وهل له أولاد غيركم، قالوا: نعم  كنا اثني عشر فذهب أصغرنا هلك في البرية وكان أحبنا إليه وبقي شقيقه .. فاحتبسه ليتسلى به عنه، فأمر معاونيه بإنزالهم وإكرامهم، وحسن ضيافتهم .

–ولما كال يوسف عليه السلام -لإخوته- كما كان يكيل لغيرهم - وكان من تدبيره الحسن - أنه لا يكيل لكل واحد منهم أكثر من حمل بعير، وكان قد سألهم عن حالهم، فأخبروه أن لهم أخًا من أبيهم لم يُحضروه معهم..

 –هذا الأخ هو شقيق يوسف عليه السلام فقال لهم: ائتوني بأخيكم من أبيكم -هذا- أزدكم حمل بعير، ثم رغبهم في الإتيان به فقالألم تروا أني أوفيتُ لكم الكيل وأكرمتكم في الضيافة وأنا خير المضيفين لكم ؟!

60–فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ

–ثم رهب - يوسف - إخوته إذ لم يأتوا بأخيهم من أبيهم - المرة القادمة- فقال: فإن لم تجيئوني به فقد تبين لي - كذبكم في دعواكم - أن لكم أخًا من أبيكم ومن ثم فلن أكيل لكم طعامًا .. ولا تقربوا بلدي .. وذلك كي يضطرهم على الإتيان بأخيه

61–قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ 

فأجابه إخوته قائلين: سنبذل جهدنا لإقناع أبيه أن يرسله معنا ، وإنا لفاعلون ما أمرتنا به دون تقصير .. وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام كان مولعا به لا يصبر عن فراقه وكان يتسلى به بعد غياب أخيه يوسف عليه السلام.

62–وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 

–وقال يوسف عليه السلام .. لغلمانه الذين في خدمته اجعلوا بضاعتهم التي اشتروا بها الكيل في أمتعتهم - سرًا - رجاء أن يعرفوها إذا رجعوا إلى أهلهم وذويهم  بعد أن يفرغوا أمتعتهم ..

–فيقدِّروا إكرامنا وعطفنا عليهم ، ثم يرجعوا لنا طمعًا في عطائنا ومعهم أخوهم من أبيهم؛ لكي يثبتوا لنا صدقهم، ونقبل منهم بضاعتهم، فإن الإحسان يوجب للإنسان تمام الوفاء للمحسن.

63–فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 

فلما رجع أخوة يوسف عليه السلام إلى أبيهم قصُّوا عليه ما كان من إكرام العزيز لهم، وقالوا لأبيهم: إن - عزيز مصر- لن يعطينا مستقبَلا إلا إذا كان معنا أخونا الذي أخبرناه به، فأرسلْه معنا نحضر الطعام وافيًا .. ونتعهد لك بحفظه حتي يرجع إليك سالمًا.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

من أعداء المؤمن: نفسه التي بين جنبيه؛ لذا وجب عليه مراقبتها وتقويم اعوجاجها.

–اشتراط العلم والأمانة فيمن يتولى منصبًا يصلح به أمر العامة.

–بيان أن ما في الآخرة من فضل الله، إنما هو خير وأبقى وأفضل لأهل الإيمان والتقوي

–جواز طلب الرجل المنصب ومدحه لنفسه إن دعت الحاجة، وكان مريدًا للخير والصلاح.







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-