شائع

تفسير سورة يوسف صفحة 241 من الآيات (44 - 52) .. وفوائد الآيات

التفسير 

44–قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ

–قال المعبرون: إنما رؤياك - أيها الملك - فهي أخلاط أحلام، لا حاصل لها، ولا لها تأويل. ونحن لا نعبر إلا الرؤيا .. وأما الأحلام المختلطة التي هي من الشيطان ، أو من حديث النفس فإنا لا نعبرها ..

–وهذا من فضل الله بيوسف عليه السلام. فإنه لو عبرها قبل أن يعرضها على الملأ من قومه وعلمائهم، لم يكن لها ذلك الموقع ، ولكن لما عرض الرؤيا عليهم وعجزوا عن الجواب، فعبرها يوسف فوقعت عندهم موقعا عظيما، فحصل بذلك زيادة فضله.

–ومثل هذا إظهار الله فضل آدم على الملائكة بالعلم، بعد أن سألهم فلم يعلموا. ثم سأل آدم، فعلمهم أسماء كل شيء، فحصل بذلك زيادة فضله.

–وكما يظهر فضل أفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة، أن يلهم الله الخلق أن يتشفعوا بآدم، ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم السلام، فيعتذرون عنها، ثم يأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول: « أنا لها أنا لها » فيشفع في جميع الخلق، وينال ذلك المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.

45–وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ 

–وتذكر الساقي الَّذي نجا من الفتيين السجينين أمر يوسف عليه السلام وما هو عليه من العلم -بتأويل الرؤيا- وذلك - بعد مدة - من خروجه من السجن فقال : أنا أخبركم بتأويل ما رآه الملك بعد سؤال من له علم بتأويلها ، وهو - يوسف - فابعثني - أيها الملك - إلي يوسف في السجن لآتيكم بتفسيرها.

46–يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ 

–وعندما وصل الساقي إلى -يوسف- في السجن قال له: يوسف أيها الصديق فسِّر لنا عن -رؤيا - مَن رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات ، ورأى سبع سنبلات خضر وأخر يابسات كي أرجع إلى الملك وأصحابه.. فأخبرهم ليعلموا تفسير -رؤيا الملك- فيعلموا مكانتك وفضلك.

47–قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ 

فسر يوسف عليه السلام -رؤيا الملك- وبين لهم ما يفعلونه ويستعدون به من التدبير في سنين الخصب، إلى سنين الجدب ..

قال يوسف عليه السلام معبرًا هذه الرؤيا: إن تفسير هذه الرؤيا أنكم تزرعون سبع سنين متتابعات بجدّ ليَكْثُر العطاء، فما حصدتم منه في كل سنة من تلك السنين السبع فادَّخِروه، واتركوه في سنبله; ليتمَّ حفظه من التسوُّس، وليكون -أبقى معكم- في السنين الشداد، إلا قليلا مما تأكلونه من الحبوب.

48–ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ 

–ثم يأتي بعد هذه السنين السبع الخِصْبة سبع سنين شديدة الجَدْب, يأكل أهلها كل ما ادَّخرتم لهن من قبل, إلا قليلا مما تحفظونه وتدَّخرونه ليكون بذورًا للزراعة.

49–ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ 

ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بنزول المطر, فيرفع الله تعالى عنهم الشدة، وتنبت فيه الزروع ، وتكثر الغلات ، وتزيد على أقواتهم حتى إنهم يعصرون فيها الثمار من كثرة الخِصْب، والنماء، زيادة على أكلهم كالعنب والزيتون والقصب ..

–ولعل استدلال يوسف عليه السلام على وجود هذا العام الخصب، مع أنه غير مصرح به في رؤيا الملك، أنه من المعلوم أنه لا يزول الجدب الذي استمر سبع سنين متواليات، إلا بعام مخصب جدا .. والله أعلم

50–وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ 

–فلما رجع الساقي إلى الملك والناس، وأخبرهم بتأويل يوسف - لرؤيا الملك - عجبوا من ذلك .. وفرحوا بها أشد الفرح.

–وقال الملك لأعوانه: أخرجوا ذاك الرجل المعبِّر للرؤيا من السجن وأحضروه إلي ، فذهب ساقي الملك إلي يوسف عليه السلام في السجن لكي يدعوه للقاء الملك ..

–فقال يوسف عليه السلام للساقي: ارجع إلى سيدك الملك واطلب منه أن يسأل عن قصة النسوة اللاتي جرّحن أيديهن، حتَّى تظهر براءتي قبل الخروج من السجن، إن ربي بما صنعن بي من المُرَاودة عليم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.

51–قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ 

قال الملك للنسوة اللاتي جرحن أيديهن: ما شأنكن حين راودتنَّ يوسف عن نفسه في يوم الضيافة؟ فهل رأيتن منه ما يريب؟ قلن: معاذ الله ما علمنا عليه أدنى شيء يَشينه، عند ذلك قالت امراة العزيز مُقِرَّة بما صنعت: الآن ظهر الحق بعد خفائه, فأنا التي حاولت فتنته بإغرائه فامتنع, وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله.

52–ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ

ذَلِكَ اقرار من زوجة العزيز أقرت به علي نفسها بأنها راودت يوسف عليه السلام، وأنه صادق..

قالت امرأة العزيز: ذلك الإقرار ليعلم -يوسف- حين أقررت أنني أنا الَّذي راودته، وأنه صادق أني لم أفترِ عليه في غيابه، فقد تبين لي مما حصل أن الله تعالي لا يوفق من يكذب ويمكر، فإن كل خائن، لابد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولابد أن يتبين أمره.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–من كمال أدب يوسف أنَّه أشار لحَدَث النسوة ولم يشر إلى حَدَث امرأة العزيز.

–كمال علم يوسف عليه السلام في حسن تعبير الرؤى.

–مشروعية تبرئة النفس مما نُسب إليها ظلمًا، وطلب تقصّي الحقائق لإثبات الحق.

–فضيلة الصدق وقول الحق ولو كان على النفس.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-