قال تعالي : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } سورة الكهف: 13
كان هؤلاء الفتية من أبناء صفوة المجتمع وأعمارهم كانت صغيرة، وهم من الذين آمنوا بالله وحده ، وكان لهم ملك ظالم يعبد الأصنام، ويطلب من قومه أن يعبدوها ، لكن هؤلاء الفتية كانوا يرفضون ذلك .
وكان يأمر أهل مدينته أن يتقربوا لهذه الأصنام بالذبائح و القرابين، وكان إذا رأى أحداً يعبد الله عز وجل ولا يطيعه في عبادة الأصنام يعذبه عذاباً شديداً .
و في يومٍ من الأيام، خرج أهل هذه المدينة ليحتفلوا بعيد من أعيادهم وخرج معهم هؤلاء الفتية ونظروا إلى قومهم و هم يذبحون ويسجدون للأصنام فألقى الله نور الإيمان في قلب هؤلاء الشباب وكانوا من سادة القوم ولكن لم يعجبهم ما كان يفعلوه أهل مدينتهم فاعتزلوا احتفالاتهم وعيدهم.
وذهب شاب منهم ليجلس بعيداً تحت ظل شجرة ثم لحق به الشاب الثاني ثم الثالث.. إلى أن اجتمعوا جميعا سويا ونجد في الآية رقم (22) بدأت بأنهم قد يكونوا ثلاثة وأن الرابع هو كلبهم أو خمسة والسادس كلبهم، وصولاً إلى الرقم سبعة وأن الثامن هو الكلب، لكن الله هو الأعلم بعددهم .
و كان كل واحدٍ منهم يكتم إيمانه خوفاً من أصحابه حتى لا يخبر أحدهم الملك الظالم ،حتي تصارحوا جميعاً وأعلنوا إيمانهم فيما بينهم و أصبحوا إخواناً في حب الله عز و جل.
و اتخذوا لأنفسهم مكاناً بعيداً عن المدينة ليعبدوا الله فيه حتى لا يراهم قومهم ، واختاروا كهف يقع بأطراف المدينة يسمى كهف ” الرقيم ” يوجد بقرية في الأردن، وظلوا في هذا الكهف فترة يعبدون الله ويتوجهون إليه بالدعاء،
و لكن بعد فترة علم الملك الظالم بإيمان هؤلاء الفتية وأرسل إليهم ، وخاف الفتية كثيراً ،ولكن ثبت الله فؤادهم بالإيمان وربط على قلوبهم و أنطقهم بقول الحق أمام الحاكم الظالم ودعوه إلى عبادة الله نعالي
وقال فيهم الله تعالى: " و ربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات و الأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شططا" أي ان : أي عبادة غير عبادة الله فهي باطلة.
وقال تعالى: " هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهةً لولا يأتون عليهم بسلطان بين" أي أن قومنا اتخذوا عبادة الأصنام تقليداً لآبائهم دون حجة أو برهان، لولا يأتون على عبادتهم لهذه الأصنام بحجة أو برهان.
وقال تعالى: "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا" أي لا أحد أظلم لنفسه أكثر من أن يدعي أنه يوجد إله آخر غير الله عز وجل .
فغضب الملك من ردهم، وهددهم بالقتل وأعطاهم بعض الوقت ليعدلوا عن فكرهم و كان هذا رحمةً من الله عز وجل بهم لأنهم استغلوا هذه الفرصة للفرار بدينهم من هذه الفتنة.
وقرر هؤلاء الفتية اعتزال قومهم فخرجوا متجهين إلى الجبل ليأووا إلى الكهف واصطحبوا معهم كلبهم ،وطلبوا من الله عز وجل أن ينشر عليهم من رحمته في الكهف فاستجاب الله لهم و أنزل عليهم من رحمته حيث يسر لهم أمرهم .
من آيات الله عليهم ورحمته في الكهف
جعل الفتية ينامون وأوقف لديهم حاسة السمع لأنها الحاسة الوحيدة التي تتأثر أثناء نوم الإنسان، حتى لا يسمعون شيئا
و قد أمر الله الشمس أن لا تمس أجسادهم حتى لا تؤذيهم. فكانت الشمس في الصباح تميل عن أجسادهم و في الغروب تميل عنها فلا يتأثروا بها و كانوا في فجوة وسط الكهف.
أن أعينهم كانت مفتوحة فكان الناظر إليهم يحسبهم مستيقظين مع أنهم نيام .
وحتى لا تأكل الأرض أجسادهم، كان الله يقلب أجسادهم تارةً نحو اليمين و تارةً أخرى نحو اليسار.
وكان كلبهم معهم حيث جلس على عتبة باب الكهف باسط ذراعيه ليحميهم ونام مثل ما فعل الفتية .
و حتى لا يعتدي عليهم أحد وهم رقود قذف الله في قلب كل من ينظر إليهم الرعب بحيث لو اطلع عليهم أحد ولى منهم فراراً ورعبا ، وناموا قرابة ثلاثمائة وتسع سنوات
اسنيقاظ الفتية بعد ثلاثمائة وتسع سنين
بعد ثلاثمائة وتسع سنون : إستيقظ الفتية وهم يشعرون بتعب شديد وأخذوا يتساءلون فيما بينهم عن المدة التي مكثوا فيها داخل الكهف . "قالوا ربكم أعلم بما لبثتم "
فهم قد دخلوا في الكهف صباحاً و بعثهم الله في آخر النهار فلما استيقظوا ظنوا أن الشمس قد غربت فقالوا لبثنا يوماً، ثم رأوها لم تغرب فقالوا أو بعض يوم و لم يشعروا أنهم ناموا ثلاثمائة وتسع سنين..
قال قائلا منهم : خذوا بما هو أنفع لكم و نحن الآن جياع ، فأرسلوا أحداً منكم إلى المدينة بهذه النقود الفضية التي معكم من قبل، وليختر لنا خير الطعام و أطيبه ليشتريه لنا
وعليه أن يتلطف في دخول المدينة و شراء الطعام حتى لا يشعر به أحد ظناً منهم أنهم ما زالوا في نفس زمن حكم الملك الظالم،
وقال: فإنهم إن تعرفوا عليكم سيقوموا بإلقاء الحجارة عليكم أو يدفعونكم لترك دينكم و الدخول في دينهم. وإن فعلتم هذا ورجعتم إلى ملتهم فلن تفلحوا أبداً في حياتكم
وذهب أحدهم ليحضر لهم الطعام الطيب و معه النقود الفضية التي عليها صورة الملك الظالم ،فلما وصل الشاب إلى المدينة، وجد كل شيء قد تغير وتبدل ..المكان والشوارع والناس. . و لم يعرف السبب في ذلك!
و بعد جهد كبير، ذهب الشاب ليشتري الطعام الطيب و لكن وجد البائع متعجباً من شكله، وعندما قام الشاب بإعطائه النقود تعجب البائع أكثر وسأله من أين أتيت بهذه النقود؟
قال الشاب: إنه المال الذي نتعامل به و هذه صورة الملك عليه ،فتعجب البائع قائلاً: إنه الملك الظالم عليه لعنة الله فقد مات منذ أكثر من ثلاثمائة سنة .
فتعجب الشاب من هذا الكلام و أحس أنه لم يستطع استيعاب الأمر ، فتجمع الناس حول هذا الشاب وأخذوه إلى الملك الجديد في ذاك الوقت .
فسأله عن شأنه فأخبره الشاب بما حدث وتعجب السلطان من قصته وقرر أن يذهب معه إلى مكان الكهف, و عندما وصلوا، قال لهم الشاب سأدخل أنا أولاً لكي أعلم أصدقائي بالأمر .
فأبلغهم الأمر ..ودخل الملك ورأي الفتية وعانقهم وافتخر بهم وبموقفهم كثيرا، وأدرك أنه أمام معجزة قد وقعت لهم , وتركهم ليعودوا إلى مرقدهم مرةً أخرى ، ولم يلبث أولئك الفتية بعد ذلك أن ماتوا جميعاً في نفس اللحظة .
وبعد ذلك أمر الملك في ذلك الوقت ببناء مسجد أعلى هذا الكهف حتى تكون قصة الفتية عبرة ودليل علي إظهار قدرة الله سبحانه وتعالى على فعل هذه المعجزة .
♦♦♦♦♦
قصة أصحاب الكهف من الآيات ٩ -٢٦ من سورة الكهف
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26).